من بين
خصائص الكون أن كل عنصر من عناصره وأن كل جزيء من
جزيئات هذه العناصر - حتى ولو كان وزنه مثقال ذرة -
هو في حركة مستمرة لا تتوقف أبدا إلا بأمر الله
عزوجل فاطر السماوات والأرض وما بينهما والقائم
عليها
ولا تخضع هذه الحركة للصدفة أو
لأسباب عمليات النشوء الذاتي للمادة كما يلوح
الملحدون . وإنما هي حركة مقننة
ومقدرة تقديرا إلهيا حكيما , وهي أمر خارق
لقوانين العلم الوضعي , الذي وضعه الإنسان , وتعرف
عليه واكتشفه في محيطه الأرضي .
فكل من الكواكب ومجموعات النجوم والكوكبات
والمجرات تدور حول نفسها في حركة محورية وتدور في
مداراتها في حركة انتقالية. بل إن الكون كله
يتحركة حركة انتقالية حول مركز سحيق يبعد عن خيال
البشر ولا يدري العلم الوضعي عنه القليل أو الكثير ,
ولا يقع إلا في علم الله وحده عز وجل
وإذا كان الإنسان قد استطاع أن يكتشف بعض قوانين
حركة الأجسام وديناميكيتها في المحيط الأرضي , فإنه
يعجز عن معرفة كثير من خبايا حركة السدم , والكوكبات
, والمجرات , والنجوم , والمذنبات , ولا يزال يتخبط
عند محاولته تحديد أسبابها ومسبباتها ونظم حركتها
وسرعتها . وحتى الظواهر التي يشاهدها الإنسان على
سطح الأرض ويحسب أنها جامدة ثابتة لا تتحرك كالجبال
والهضاب والبحار , هي في الحقيقة في حركة دائمة مع
تحرك كوكب الأرض نفسه في حركتيه المحورية
والانتقالية وحركاته الأخرى
وهذه الحركة المستمرة المنتظمة التي لا تعرف الكلل
أو الملل أو الخلل لكل عنصر من عناصر هذه الكون
الفسيح الأرجاء , هي تسبيح وسجود
لله العلي القدير فاطر السماوات والأرض وما بينهما ,
ولكن الإنسان بما أوتي من علم محدود لا يفقه مثل هذا
التسبيح
كما أن في حركة كل عنصر من عناصر الكون إفادة ونعمة
وبركة منفعة للإنسان
ساكن سطح كوكب الأرض , وذلك لأن كل عناصر الكون
مسخرة بأمر الله جل وعلا لخدمة الإنسان ولتيسير سبل
حياته على سطح الأرض ويقول المولى عز وجل : ( لا
الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق
النهار وكل في فلك يسبحون ) سورة يس وقوله تعالى : (
وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في
فلك يسبحون ) سورة الأنبياء
وينتج عن الحركة المحورية للنجوم
والكواكب قوة طرد مركزية تحفظ للنجم أو للكوكب
موقعه في مداره على بعد ثابت بينه وبين النجم
الأم . وتتمثل العوامل التي تؤثر في استمرار حدوث
ربط النجوم والكواكب بعضها بالبعض الآخر في الآتي
__ كتلة الشمس الأم
__ الدوران المحوري للشمس
__ قوة الجذب الشمسي
__ كتلة كل كوكب تابع للشمس
__ استمرار الدوران المحوري لكل كوكب في سرعة ثابتة
له
__ قوة الطرد المركزية لكل كوكب
المسافة الفاصلة بين الشمس وكل كوكب
وعلى الرغم من تعدد هذه العوامل وطول الفترة
الزمنية لعملها منذ بداية نشوئها حتى اليوم , والتي
تقدر ببلايين السنين , إلا أن
الشموس والنجوم والكواكب ظلت تعمل بقدر , ولم يصبها
خلل أو زلل , ذلك لأنها تعمل وهي مسخرة بأمر الله
عزوجل , ولا تخضع للصدفة أوالعشوائية
وإن حدوث أي نوع من الاضطراب في أي عامل من العوامل
السابقة الذكر يؤدي إلى تفكك قوي الربط بين الشمس
الأم وكواكبها , وينجم عن ذلك انفجارها وانشطارها
وانشقاقها , وهذا لا يحدث لها إلا إذا قضى الله
سبحانه وتعالى فاطرها وخالقها بأن يكون . ويكون ذلك
عند قيام الساعة
فيوم القيامة هو اليوم الذي يفقد فيه الكون توازنه
وتنشطر الكواكب والنجوم والأقمار بأمر من الله عز
وجل , وتتأثر الأرض بزلزالها الأعظم الموعود , ويخرج
من باطنها موادها المعدنية الثقيلة , فتفقد توازنها
وقوة جاذبيتها وموقعها في الفضاء
ونتيجة للحركة المحورية للشمس تتركز الغازات التي
تتفاعل نوويّا في جوفها وينشأ عنها قوة جذب عظمى (
تبعا لكتلتها الهائلة الحجم والتي تقدر بنحو 333 ألف
مثل لكتلة الأرض ) تؤثر بدورها في قوة جذب الكواكب
التابعة لها وربطها في فلكها وتشكيل ما يعرف باسم
المجموعة أو النظام الشمسي
ويستمد الإشعاع الشمسي قوته من الطاقة الهائلة
المنبثقة من حدوث التفاعلات النووية في باطن الشمس
, وتتولد الطاقة الشمسية باشتقاق ذرات الهليوم من
ذرات الهيدروجين
وبدون استمرارية الحركة المحورية
للشمس يتوقف تكوني الطاقة الشمسية , ولا تتجدد مع
الزمن , ولكانت الشمس نجما خامدا منذ عدة الآف من
ملايين السنين , ولفقدت الشمس قوة جاذبيتها ولتفككت
عوامل الربط بين الشمس وكواكبها التابعة لها في
الفضاء السماوي . هذا الربط بين الكواكب والنجوم
الذي يحفظ لكل منها موقعه ومداره في السماء يقول
المولى عز وجل : ( فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم
لو تعلمون عظيم ) سورة الواقعة
ويستدل الإنسان من دراسته لمواقع النجوم وآيات
الله في الكون على وجود توازن معجز بينها جميعا ,
وأن الاختلاف في حجم هذه النجوم والكواكب وكذلك في
كثافتها وتركيبها الغازي والمعدني وكتلتها
وطاقتها وسرعاتها في مداراتها والمسافات الهائلة
الشاسعة البعد الفاصلة بين كل منها هو اختلاف بقدر
معجز قدّرة تبارك وتعالى تقديرا حكيما معجزا ليكون
آية بينة للناس أجمعين إلى يوم الدين |